فهل سيشكل إسدال الستار على مسلسل "هوملاند" نهاية لحقبة من الأعمال التليفزيونية، التي تُذكي الخوف المرضي من الإسلام؟ بالقطع يمكن القول إن
شبكات التليفزيون الأمريكية والقائمين على الأعمال الدرامية، شرعوا في
إبداء الاهتمام بمخاوف المسلمين في هذا الصدد. ففي السنوات القليلة الماضية، قدمت موجة من الأعمال الأمريكية ذات الطابع المثير والمشوق، أبطالا مسلمين ضمن أحداثها. وشكّل ذلك - ربما - محاولة واعية لتخفيف الصور
السلبية التي سبق تقديمها عن المسلمين من قبل.
ومن بين هذه الأعمال، مسلسل "إن سي آي إس"، الذي أثار الكثير من الجدل بسبب تصويره لشخصيات مسلمة، بينهم من يحملون الجنسية الأمريكية، إذ وجه
نقاد اتهامات للقائمين عليه بتعزيز فكرة أن كل مسلم هو إرهابي محتمل. رغم
ذلك، فقد أُدخلت تعديلات جديرة بالثناء على مسار أحداث العمل، حتى قبل أن يبلغ موسمه الحالي العاشر، الذي يحمل اسم "إن سي آي إس: لوس أنجليس".
ففي
إحدى حلقات الموسم التاسع، ظهرت شخصية مسلمة تُدعى سام، تجسد دور عميل خاص
رفيع المستوى في خدمة التحقيقات البحرية الجنائية، ليصبح بذلك واحدا من
أوائل الشخصيات المسلمة، التي تُمنح دور بطولة في مسلسل تليفزيوني أمريكي كبير. وحرص القائمون على المسلسل على إبراز أن ديانة هذا الرجل لا تعدو سوى إحدى جوانب شخصيته، كأمريكي محب لوطنه بكل معنى الكلمة.
وفي هذا
العام، ظهرت في الأحداث شخصية عميلة خاصة ترتدي الحجاب. وعَمِل المسؤولون عن المسلسل على ألا يجعلوا ديانتها النقطة المحورية المتعلقة بدورها. بل
إنها صُوّرت على أنها فتاة أمريكية عادية تهوى اقتناء السلع والمنتجات
غالية الثمن. كما أنه لم تتم الإشارة إلى غطاء رأسها، سوى من قبل متطرف
مسلم، سخر من أنها ليست سوى "فتاة أمريكية فاسدة، رغم ارتدائها الحجاب".
في السياق ذاته، تتضمن أحداث مسلسل الجريمة الأمريكي "بليند سبوت" الذي بدأت للتو حلقات موسمه الخامس والأخير، شخصية ترتدي الحجاب وتعمل لصالح مكتب التحقيقات الفيدرالي "إف بي آي". وفي هذه الحالة أيضا، لا يتم التركيز بشكل
غير ضروري على غطاء الرأس الذي ترتديه، وإنما يتمثل الملمح الرئيسي
لشخصيتها في الدعابات السمجة التي تتفوه بها. ويشكل ذلك خطوة واضحة إلى
الأمام، لأن التركيز الدائم على الخصائص المُمَيزة للمسلمين وحدهم، مثل أغطية الرأس أو أبسطة الصلاة وغيرها لا يفيد بشيء حتى وإن كان يتم بنية
حسنة.
لكن الجهود المبذولة لجعل وجود النساء المسلمات المحجبات أمرا طبيعيا في الأعمال الدرامية الأمريكية، تتعارض بشكل صارخ مع الطريقة التي قدم بها
"هوملاند" واحدة من هؤلاء السيدات، مُجسدة دور عميلة مسلمة لـ "سي آي آيه".
ففي إطار أحداث العمل، وُبِخَتْ هذه الشخصية بشدة من جانب رئيسها - الذي
يُنظر إليه في المسلسل باعتباره البوصلة الأخلاقية لأبطاله - وذلك بدعوى أنها لا تحترم زملاءها نظرا لكونها ترتدي غطاء الرأس، الذي يعتبره المسؤول عنها "تذكيرا رمزيا بأعداء هؤلاء الزملاء". ومع تطور الأحداث، نجد أن هذه السيدة - التي يوضح لها المحيطون كيف يمكن أن تصبح عميلا ملتزما بواجبه -
تتوقف عن ارتداء غطاء الرأس، دون كثير تفسير أو توضيح.
ومن بين المسلسلات الأخرى التي قطعت أشواطا على طريق تصحيح الأحكام المسبقة التي شُكِلَت من قبل عن المسلمين، النسخة الجديدة التي قدمتها شركة
أمازون لمسلسل "جاك ريان" للمؤلف توم كلينسي، والتي بدأ بث حلقاتها العام
الماضي، وأسندت فيها شخصية رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية إلى الممثل ويندل بيرس. وصوّرِت هذه الشخصية ضمن الأحداث على أنها لأمريكي من
أصل أفريقي اعتنق الإسلام، ويحمل اسم جيمس غرير.
على أي حال، يبدو إظهار الدراما الأمريكية لمثل هذه الشخصيات المسلمة، التي تُقدم على أنها
صالحة بالفطرة وذات نزعات وطنية، وتصويرها في هيئة الأبطال أو وضعها في
مواقع القيادة، خطوة ثقافية مهمة، بل وإقرارا واعيا من جانب هوليوود بحقيقة
مفادها، أنه بوسع المسلمين الأمريكيين أن يضعوا أرواحهم على أكفهم يوميا لحماية مواطنيهم، لا أن يكتفوا باعتناق القيم الأمريكية وتبنيها فحسب.
بجانب
ذلك، تطورت النصوص الدرامية لهذه الأعمال التليفزيونية، إلى مرحلة بلغت
فيها حد الحديث عن أن المسلمين الذين يمارسون شعائر دينهم بسلام، هم
القاعدة لا الاستثناء. ولكن ذلك لا ينفي أن مسلسلا مثل "هوملاند"، لم يكف عن محاولة استغلال الصور النمطية السائدة عن المسلمين، حتى عندما ادعى أنه يقدم شخصية مسلمة "إيجابية"، مثل تلك التي أُعطيت اسم داني غالفيز، وأُظهرت على أنها لعميل في "سي آي آيه"، صار محلا للشبهات، بمجرد أن عُرِفَ أنه
مسلم. وعندما يثبت هذا الرجل بعد ذلك ولاءه لوطنه ولرفاقه، يُظهر السيناريو
ذلك، وكأنه تحول غير متوقع في سير الأحداث.
أما "إف بي آي"، الذي كان العمل الدرامي الأكثر مشاهدة بين المسلسلات الجديدة التي عُرضت الموسم
الماضي على شاشة شبكة "سي بي إس" التليفزيونية، فقد كان أول مسلسل حركة
كبير يُعرض على الشاشة الأمريكية، ويُسند أحد أدوار البطولة فيه إلى ممثل
عربي ومسلم، وهو زيكو زكي. ويجسد زكي - ذو الأصل المصري - دور عميل خاص، من أصول عربية ويدين بالإسلام كذلك، ما يماثل شخصيته في الواقع.
المعروف
أن هذا الممثل الشاب سبق أن كشف عن أن الأدوار، التي كانت تُعرض عليه في
الفترة التي سبقت تجسيده لهذه الشخصية، كانت تنحصر دائما في تجسيد شخصيات
نمطية لإرهابيين أو أشرار. وأكد ضرورة إحداث "تغيير ثقافي" في هذا الشأن.
ومع أن الخطوات التي قُطعت على طريق زيادة حجم تمثيل المسلمين على الشاشة
الصغيرة تمثل أمرا مُرحبا به للغاية، فإن مثل هذا التمثيل لا يزال قاصرا
بشكل كامل تقريبا، على المسلسلات ذات الطابع المثير المشوق، أو الأعمال
التي تتخذ من القضايا الجيوسياسية موضوعا لها. فحتى الآن لا يزال من العسير تناول القصص التي تتعلق بالحياة اليومية للمسلمين العاديين.
وربما آن الأوان الآن للتعرف على رأي كل من شاف تشودري وساديا حبيب،
اللذين ابتكرا اختبارا لتحديد مساحة حضور الشخصيات المسلمة على الشاشة
الأمريكية. إذ يرى الاثنان أن تعزيز هذا الحضور، سواء على الشاشات أو في
المجتمع، سيحدث "عندما يُكلف الكتاب المسلمون باستلهام وقائع حياتهم
العادية في أعمالهم".
ويعكف شاف وساديا على تحليل الشخصيات المسلمة
التي تظهر في الأعمال السينمائية، وتحديد ما إذا كانت تُقدم على أنها ضحية
للإرهاب أم مُرتكبة له؟ وهل تُقدم في صورة شخصية غاضبة على نحو لا عقلاني؟ أو تُظهر على أنها مؤمنة بالخرافات؟ أو ذات رؤى رجعية من الوجهة الثقافية؟
أو معادية للحداثة؟ أو تشكل تهديدا لنمط الحياة الغربي؟ من عدمه.
وإذا
كانت الشخصية لذكر، يحلل الاثنان ما إذا كانت تُصوّر على أنها معادية للمرأة أم لا. أما إذا كانت لامرأة، فينصب التحليل على ما إذا كان العمل يقدمها على أنها مضطهدة من عدمه. ومن شأن إظهار صناع الفيلم للشخصية وهي
تحمل أي سمة من السمات التي سبق ذكرها هنا، الحكم بأن هذا العمل فشل في
الاختبار.